قررتُ أن أهاجرْ
..
قررتُ أن أهاجرْ
من عالمِ الخداعِ و النفاقِ و المظاهرْ
قررت أن أهاجر
من عالمِ الصراخِ و النعيقِ و الحناجرْ
من عالمِ يلقِّنُ المنابرْ
..
قررتُ أن أهاجرْ
من عالم الإذلالْ
من عالمٍ شعوبهُ تململتْ من السؤالْ
فأعلنت بدايةَ النضالْ
و قدمت قربانها لحَقِّها
فثائرٌ يثور إثْرَ ثائرْ
..
قررتُ أن أهاجرْ
من عالمِ الفَناء
من عالمٍ أمطارهُ تسيلُ من سحائبِ البكاءْ
من عالمٍ تكونت أنهارهُ من الدموعِ و الدماء
و أنصُلِ الخناجرْ
..
قررتُ أن أهاجر
من عالم الضوضاء
من كذبةِ النهار و المساء
من عالمٍ يزيل ضوءهُ معالِمَ السماء
.........
قررتُ أنْ أهاجرْ
لجنتي البعيدة
لبلدتي السعيدة
لقلبِ أنثى لم يزل يمارسُ القصيدة
فرغمُ كلِّ ما جرى و ما يجري أراها
تقلبُ الصباحَ تارةً
و تحضن المساءَ إنْ أتاها
جميلةٌ في سعدها
أنيقةٌ في حزنها
حسناءُ في هواها
لقلبها يعودُ كل شىء
و من عيونها يبدأُ كل شيء
و في إصرارها يكونُ كل شيء
فالنور في الإشراقِ خدُّ أنثى
و الحبُّ في الأحداقِ طفلٌ رامَ أنثى
و الثورة مهما تعلقت بأسماء الرجالِ تبقى دمعةً
في عينِ كل أنثى
و من سواكِ أنثى؟
و من سواكِ نحوهُ أمارسُ السفرْ؟
و من سواكِ يضمنُ السلامْ؟
و من سواك يحفظُ الأحلامْ؟
يا ملجأ الأوراقِ و الأطفالِ و الحمامْ
أتيتُ أطلبُ اللجوءَ فاقبليني
من عالمي الذي أضاعَ الحبَّ فيني
فالحبُّ في بلادنا يموتْ
و الحلمُ في بلادنا يموتْ
و العزْفُ في بلادنا يموتْ
و الكلُّ في بلادنا إذا أرادَ أن يعيشَ مرةً يموتْ
فالموتُ ديْدنُ البلادْ
و الجوعُ و الضياعُ و النفاق و الفساد
حتى الصباحُ عندنا توشَّحَ السوادْ
و الليل في مقابرِ النجومِ أعلنَ الحداد
من عالمِ الأضدادْ
أتيتُ يا جميلة
طفِلاً حملتُ خافقي مخبئاً براءة الطفولة
و قصةً رمزيةً تقديرها أنتِ
أحداثها أنتِ
كتبتُ في أوراقها بأنكِ أميرتي أنتِ
مملكتي أنتِ
بنيتُ في أرجائكِ قصورا
و عالماً من مخملٍ مطرّزاً عبيرا
و عشتُ كالأطفال في أرجائهِ
لعبتُ في ألعابهِ
شربتُ من مياههِ
غنيتُ في سمائه
سكنتُ في سكونهِ
جنِنُت في جنونهِ
جنِنتُ كالأطفال
و رحت في أطرافهِ أسائلُ الجمال..
من أنتِ أخبريني
من أنتِ علميني
من أين وردٍ جئتِ يا حنيني؟
من أي أزهار الدلالِ جاء خدُكِ؟
و كيف أتقنَ استدارةَ الزهورِ حول ثغركِ؟
من أينَ جاء ثغركِ؟
من أينَ جاء جيدكِ؟
و كيف أطلقَ الهوى كقطرةٍ خجولةٍ مشتاقةٍ لنحركِ؟
و سالَ نحو نهدكِ؟
من أيِّ بحرِ جاء نهدك؟ِ!
حبيبتي
لا تعتبي علي إن سألتكِ..
فطفليَ الفضولُ خافقي يحبك
لا تعتبي علي أن أتيتكِ مستكشفاً
مقلِّباً
مكشراً
مبعثراً أطرافكِ
أذوقُ من جمالك
أشربُ من أنفاسكِ
أهيمُ كالأطفالِ في حِسَانكِ..
عشيقتي
لا تخجلي إذا أتيتُ هائجا مدججا كعاصفة
و لا تكوني خائفة
فأنتِ بحري العميقْ
و هل يخافُ البحرُ من جنونِ العاصفة؟
و هل يردُ البحرُ غيمهُ عند المطر؟
و هل يردُّ مبعوثَ السما إذا بقبلةٍ أتى من الغيوم و أنهمر؟
و هل يردُّ الحب إنْ بحكمه أمرْ؟
......
......
سيدتي
أنا غيمكِ الماطرْ
أنا حبكِ الثائرْ
أنا الذي لما رأى فؤآدكِ، من أرضهِ قررَّ أن يهاجرْ
..
حسان